(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) قال ابن جريج: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا فنزلت:(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية. قال فجعل إذا استهزءوا قام فحذروا وقالوا لا تستهزءوا فيقوم.
والمخاطب بالآية الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من المؤمنين، ثم المؤمنون فى كل زمان. أي وإذا رأيت أيها المؤمن الذين يخوضون فى آياتنا المنزلة من الكفار المكذبين، أو من أهل الأهواء المفرقين، فصدّ عنهم بوجهك وقم ولا تجلس معهم، حتى يخوضوا فى حديث غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها من جانب الكفار أو تأويلها بالباطل من جانب أهل الأهواء، تأييدا لما استحدثوا من مذاهب وآراء، وتفنيدا لأقوال خصومهم بالشغب والجدل والمراء، وإذا خاضوا فى غير ذلك فلا ضير فى القعود معهم.
وسر هذا النهى أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم يغريهم فى التمادي فيما هم فيه، ويدل على الرضا به والمشاركة فيه، والمشاركة فى ذلك كفر ظاهر، لا يرتكبه إلا كافر مجاهر، أو منافق مراء.
كما أن فى التأويل لنصر البدع والآراء الفاسدة فتنة فى الدين لا تنقص عن الأولى ضررا، فإن أربابها تغشّهم أنفسهم بأنهم ينصرون الحق ويخدمون الشرع، ومن ثم حذّر السلف من مجالسة أهل الأهواء أشد مما حذّروا من مجالة الكفار، إذ لا يخشى على المؤمن من فتنة الكافر مقدار ما يخشى من فتنة المبتدع ومن الناس من يحرفون آيات الله عن مواضعها بهواهم ليكفروا بها مسلما أو يضللوا بها مهتديا، بغيا عليه وحسدا له.
(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي وإن أنساك