وتوبيخ فقال لهم: علام تتكلون، وماذا تظنون؟ أأنتم خير ممن سبقكم عددا وكثرة مال وبطشا وقوة، أم لديكم صكّ من ربكم بأنه لن يعذبكم مهما أشركتم واجترحتم من السيئات؟ أم أنكم تظنون أنكم جمع كثير لا يمكن أن ينال بسوء، ولا تصل إلى أذاكم يد مهما أوتيت من القوة؟ كلا إن شيئا من هذا ليس بكائن، وإنكم ستهزمون وتولون الأدبار فى الدنيا وسيحل بكم قضاء الله الذي لا مفر منه، وما سترونه فى الآخرة أشد نكالا، وأعظم وبالا، فأفيقوا من غفلتكم، وأنيبوا إلى ربكم، عسى أن يرحمكم.
[الإيضاح]
(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) أي أكفاركم يا معشر قريش خير من أولئكم الذين أحللت بهم نقمى من قوم نوح وعاد وثمود؟ فيأملوا أن ينجوا من عذابى ونقمتى، على كفرهم بي وتكذيبهم رسولى.
وتلخيص المعنى- ما كفاركم خير ممن سبقهم، فهم ليسوا بأكثر منهم قوة، ولا أوفر عددا، ولا ألين شكيمة فى الكفر والعصيان والضلال والطغيان، وقد أصاب من هم خير منهم ما أصابهم، فكيف يطمعون فى المهرب من مثل ذلك، فليثوبوا إلى رشدهم، وليرجعوا عن غيّهم قبل أن يندموا ولات ساعة مندم.
ثم انتقل من توبيخهم الأول إلى توبيخ أشد منه فقال:
(أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أي أم لكم صك بالبراءة من تبعات ما تجترحون من السيئات، وأن ربكم لن يعاقبكم على ما تدسّون به أنفسكم من الشرور والآثام؟ فأنتم على هذا الصك تعتمدون، وبهذا الوعد آمنون، حقا إنكم لتطمعون فى غير مطمع، وليس بين أيديكم ولا قلامة ظفر من هذا- فعلام تتكلون؟ وإلام تستندون؟