(وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي اللهم إن كان هذا القرآن وما يدعو إليه هو الحق منزلا من عندك ليدين به عبادك كما يدّعى محمد صلى الله عليه وسلم فافعل بنا كذا وكذا.
وفى هذا إيماء إلى أنهم لا يتبعونه وإن كان هو الحق المنزل من عند الله، بل يفضلون الهلاك بحجارة يرجمون بها من السماء أو بعذاب أليم سوى ذلك، كما أن فيه تهكما وإظهار للحزم واليقين بأنه ليس من عند الله- وحاشاه- ومنه يعلم أيضا أن دعاءهم كفر وعناد، لا لأن ما يدعوهم إليه قبيح وضار.
روى أن معاوية قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة! فقال: أجهل من قومى قومك حين قالوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) ولم يقولوا: فاهدنا له.
ثم قال تعالى بيانا للموجب لإمهالهم والتوقف فى إجابة دعائهم.
(وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أي وما كان من سنة الله ولا من مقتضى رحمته وحكمته أن يعذبهم وأنت الرسول فيهم، لأنه إنما أرسلك رحمة ونعمة لا عذابا ونقمة- إلى أنه قد جرت سنته أيضا ألا يعذب أمثالهم من مكذبى الرسل وهم بين أظهرهم، بل كان يخرج الرسل أوّلا كما حدث لهود وصالح ولوط.
(وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي وما كان الله ليعذبهم هذا العذاب الذي عذّب بمثله الأمم قبلهم فاستأصلهم، وهم يستغفرون، وهم المسلمون الذين بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المستضعفين.
روى ابن جرير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله:
(وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله: (وَما كانَ اللَّهُ