وفى هذا إيماء إلى أن المراد بالصدقة ما يعمّ الفريضة وغيرها، وإلى أنه صلى الله عليه وسلم كان مواظبا على هذا الدعاء، ومن ثم قيل إن هذا الأمر للوجوب وهو خاصّ به صلى الله عليه وسلم.
[فوائد الصدقات فى إصلاح المجتمع الإسلامى]
الصدقات تطهّر أنفس الأفراد من أرجاس البخل، والدناءة والاثرة، والطمع والجشع، وتبعدهم عن أكل أموال الناس بالباطل من خيانة وسرقة وغصب وربا، وغير ذلك: فإن من يتعود بذل بعض ما فى يده أو ما أودعه فى خزائنه فى سبيل الله ابتغاء مرضاته ومغفرة ذنوبه- يكن أرفع نفسا من أن يأخذ مال غيره بغير حق، وإذا طهرت أنفس الأفراد وزكت بالعلم والتقوى وهما ثمرة الإيمان طهرت جماعة المؤمنين من أرجاس الرذائل الاجتماعية التي هى مثار التحاسد والتعادي والبغي والعدوان والفتن والحروب، فإن الأموال قوام الحياة المعيشية للفرد والمجتمع، فهى مثار التنازع والتخاصم، ومن ثم أوجب الدين على أصحاب الأموال من النفقات والصدقات ما يجعل الثروات وسيلة للسلام لا إلى الخصام.
وقد جمع الإسلام بين مصالح الروح والجسد للوصول إلى السيادة فى الدنيا والسعادة فى الآخرة، فهو وسط بين اليهودية المفرطة فى حب المال، والنصرانية الروحانية الزاهدة، فمن أهمّ مقاصده الإصلاحية فى الاجتماع البشرى هداية الناس إلى العدل فى أمر المال ليبتعدوا عن شر طغيان الأغنياء على الفقراء، ونصوص الدين فى هذا الباب هى الغاية التي لا يطمح مصلح فى التطلع إلى ما بعدها، وهى هادمة لمزاعم من يفتات على الإسلام من أرباب الجهل والهوى.
وقد فرضت الزكاة المطلقة فى أول الإسلام وكانت اشتراكية، والباعث عليها القلوب والضمائر لا إكراه الحكام، ثم جعلت معينة محدودة عند ما صار للإسلام دولة.
وسر الوضع الأول أن جماعة المسلمين فى مكة قبل الهجرة كانوا محصورين،