(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) أي إن الله تعالى جعل الكعبة التي هى البيت الحرام قياما لمن يقيمون بجوارها ولمن يحجون إليها أي سببا لقيام مصالحهم ومنافعهم- ذلك بأن مكة بلد لا ضرع فيه ولا زرع، وقلما يوجد فيه ما يحتاج إليه أهله، فجعل الله الكعبة معظمة فى القلوب، يرغب الناس جميعا فى زيارتها والسفر إليها من كل فج، وصار ذلك سببا فى إسباغ النعم على أهلها- إجابة لدعاء إبراهيم صلوات الله عليه كما حكاه الله عنه بقوله:«رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» .
إلى أنها كانت قياما للناس فى دينهم بما جعل فيها من المناسك العظيمة والطاعات التي هى من أسباب حط خطيئاتهم ورفع درجاتهم.
إلى أن أهلها صاروا بسبب الكعبة أهل الله وخاصته والسادة المعظمين إلى يوم القيامة، كما صاروا آمنين على أنفسهم وأموالهم، فقد كان العرب يتقاتلون ويغير بعضهم على بعض إلا فى الحرم حتى لو لقى الرجل قاتل أبيه أو ابنه فى الحرم لم يتعرض له، ولو جنى أعظم الجنايات لم يتعرّض له كما قال تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ» .
وكذلك جعل الشهر الحرام سببا لقيام الناس، لأن العرب كان يقتل بعضهم بعضا، ويغير بعضهم على بعض فى سائر الأشهر حتى إذا دخل الشهر الحرام زال الخوف وقدروا على الأسفار والتجارات وصاروا آمنين على أنفسهم وأموالهم، وكانوا يحصّلون فيه من الأقوات ما يكفيهم طول العام، ولو لاه لتفانوا من الجوع والشدة.
وكذلك جعل الهدى سببا لقيام الناس، لأنه يهدى إلى البيت ويذبح ويفرّق لحمه على الفقراء فيكون نسكا للمهدى وقياما لمعيشة الفقراء.