بعد أن أخبر سبحانه بأنه سينصر رسله- بيّن سبيل النصر بأنه رزقهم ثبات أقدام ليزدادوا يقينا إلى يقينهم، ثم أخبر بأن من سننه أن يسلّط بعض عباده على بعض، وهو العليم بالمصالح واستعداد النفوس، وقد وعد المؤمنين جنات تجرى من تحتها الأنهار وأوعد عباده الكافرين والمنافقين الذين كانوا يتربصون الدوائر بالمؤمنين- بالعذاب الأليم، وغضب عليهم وطردهم من رحمته.
روى أحمد عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلم «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ» مرجعه من الحديبية، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «لقد أنزلت علىّ آية أحب إلىّ مما على وجه الأرض» ثم قرأها عليهم، فقالوا هنيئا مريئا يا رسول الله، لقد بيّن لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه «لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ- حتى بلغ- فَوْزاً عَظِيماً» وأخرجه الشيخان من رواية قتادة.
[الإيضاح]
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) أي هو الذي أنزل فى قلوب المؤمنين طمأنينة وثبات أقدام عند اللقاء ومقاتلة الأعداء (وهو المسمى فى العصر الحديث الروح المعنوية فى الجيوش) ليزدادوا يقينا فى دينهم إلى يقينهم برسوخ عقيدتهم واطمئنان نفوسهم بعد أن دهمهم من الحوادث ما من شأنه أن يزعج ذوى الأحلام، ويزلزل العقائد بصدّ الكفار لهم عن المسجد الحرام ورجوعهم دون بلوغ مقصدهم، ولكن لم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن هاج الناس وزلزلوا زلزالا شديدا حتى إن عمر بن الخطاب لم يكن راضيا عن هذا الصلح وقال: ألسنا على الحق