ذكر هنا ما يوجب اليأس من إيمان بعض منهم لوجود الموانع الصادّة عنه، فمهما توالت الآيات والنذر لا تجدى معهم شيئا، إذ الحجب كثيفة، والأغطية سميكة، فاختراقها عسير، والوصول إليها فى حكم المستحيل.
قال ابن عباس: حضر عند النبي صلى الله عليه وسلم أبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث والحارث بن عامر وأبو جهل فى جمع كثير واستمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها (الكعبة) بيته ما أدرى ما يقول إلا أنى أراه يحرك شفتيه ويتكلم بأساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى يحدّث قريشا بما يستملحونه، قال أبو سفيان: إنى لأرى بعض ما يقول حقا، فقال أبو جهل كلّا فأنزل الله الآية.
[الإيضاح]
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) أي ومن أولئك الكافرين فريق يستمع إليك إذا أنت تلوت القرآن داعيا إلى توحيد الله مبشرا منذرا.
(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي والحال أنا قد جعلنا على قلوبهم أغطية تحول دون فقهه وفهمه، وفى آذانهم ثقلا أو صمما يحول دون سماعه بقصد التدبر والوصول إلى ما فيه من الهداية والرشد.
وفى هذا تشبيه للحجب والموانع المعنوية بالحجب والموانع الحسية، فالقلب الذي لا يفقه الحديث ولا يتدبره كالوعاء الذي وضع عليه الغطاء فلا يدخل فيه شىء، والآذان التي لا تسمع الكلام سماع فهم وتدبر كالآذان المصابة بالثقل أو بالصمم، فسمعها وعدمه سواء.
بيان هذا- أن الله جلت قدرته جعل التقليد الذي يختاره الإنسان لنفسه مانعا من النظر والاستدلال والبحث عن الحقائق، فالمقلد لا يستمع إلى متكلم لمييز الحق من الباطل، وإذا وصل إلى سمعه ما هو مخالف لما يدين به لا يتدبره ولا يراه جديرا بالموازنة بينه وبين ما عنده من عقيدة أو رأى ليختار أقربهما إلى الصحة وأجدرهما