بعد أن سمع ذلك المؤمن رأى فرعون في موسى وتصميمه على قتله، وإقامة البراهين على صحة رأيه، وأنه لا سبيل إلى العدول عن ذلك- أعاد النصح مرة أخرى لقومه، لعلهم يرعوون عن غيهم ويثوبون إلى رشدهم، فذكّرهم بأس الله وسنته في المكذبين للرسل، وضرب لهم الأمثال بما حل بالأحزاب من قبلهم كقوم نوح وعاد وثمود، ثم ذكّرهم بأهوال يوم القيامة، يوم لا عاصم من عذاب الله، ثم أعقب ذلك بتذكيرهم بما فعل آباؤهم الأولون مع يوسف من قبل من تكذيبهم برسالته ورسالة من بعده، فأحل الله بهم من البأس ما صاروا به مثلا في الآخرين، وكأنّ لسان حاله يقول: هأنذا قد أسمعت، ونصحت فما قصرت، والأمر إليكم فيما تفعلون.
[الإيضاح]
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ. مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي وقال ناصحا قومه: يا قوم إنى أخاف عليكم إن كذبتم موسى وتعرضتم له بسوء أن يحل بكم مثل ما حل بالذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم الماضية وكذبوهم كقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم، فقد نزل بهم من بأس الله وعذابه ما لم يجدوا له واقيا ولا عاصما، وهذه سنة الله في المكذبين جميعا، فحذار حذار أيها القوم، إنى لكم ناصح أمين، وما أهلكهم إلا بسوء أفعالهم وعظيم ما اجترحوا من الآثام والمعاصي وما ظلمهم الله، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. وإلى هذا أشار بقوله:
(وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي وما أهلك الله هذه الأمم ظلما لهم بغير جرم اجترموه، بل أهلكهم بإجرامهم وكفرهم، وتكذيبهم رسله، بعد أن جاءوهم بالبينات، فأنفذ فيهم قدره، وأحل بهم وعيده.