بعد أن ذكر سبحانه أن الناس بالنظر إلى القرآن أقسام ثلاثة: متقون يهتدون بهديه، وجاحدون معاندون عن سماع حججه وبراهينه، ومذبذبون بين ذلك- طلب هنا إلى الجاحدين المعاندين في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي أن القرآن معجزته- أن يتعرفوا إن كان هو من عند الله كما يدّعى، أو هو من عند نفسه كما يدّعون، فيروزوا أنفسهم ويحاكوه، لعلهم يأتون بمثل سورة من أقصر سوره، وهم فرسان البلاغة، وعصرهم أرقى عصور الفصاحة، والكلام ديدنهم، وبه تفاخرهم، وكثير منهم حاز قصب السبق في هذا المضمار، ولم يكن محمد من بينهم فهو لم يمرن عليه، ولم ببار أهله ولم ينافسهم فيه.
فإن عجزوا ولم يستطيعوا ذلك، وهم لا يستطيعون وإن تظاهر أنصارهم، وكثر أشياعهم، بل لو اجتمعت الإنس والجن جميعا، فليعلموا أن ما جاءهم به فأعجزهم لم يكن إلا بوحي سماوىّ وإمداد إلهىّ لا يسمو إليه محمد بعقله، ولا يصل بيانه إلى مثل أسلوبه ونظمه، وإذا استبان عجزهم ولزمتهم الحجة، فقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما ادّعى وكان من ارتاب في صدقه معاندا مكابرا، واستحق العقاب وكان جزاؤه النار التي وقودها العصاة الجاحدون وما عبدوه من أحجار وأصنام، أعدت لكل من جحد الرسل أو استحدث في الدين ما هو منه براء.
[الإيضاح]
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أي وإن ارتبتم فى أمر هذا القرآن، وزعمتم أنه من كلام البشر فأتوا بمثله، لأنكم تقدرون على ما يقدر عليه سائر البشر.