(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) أي وما كتب لأحد من قبلك البقاء فى الدنيا حتى نبقيك فيها، بل قدّر لك أن تموت كما مات رسلنا من قبلك.
(أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ؟) أي أفهؤلاء المشركون بربهم هم الخالدون بعدك؟
لا- ما ذلك كذلك، بل هم ميتون، عشت أو متّ.
أخرج البيهقي وغيره عن عائشة قالت: دخل أبو بكر على النبي صلّى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال: وا نبياه، وا خليلاه، وا صفيّاه، ثم تلا: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد: الآية.
ثم أكد ما سلف وبين أن أحدا لا يبقى فى هذه الدنيا فقال:
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي كل نفس منفوسة من خلقه ذائقة مرارة الموت، ومتجرعة كأسه، وشدة مفارقة الروح للبدن وقد جاء فى الحديث «إن للموت لسكرات» فلا يفرحنّ أحد لموت أحد ولا يظهرنّ التشفي منه، كما لا ينبغى أن تبدو عليه علامات الجزع والحسرة لموت أحد.
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) أي ونختبركم أيها الناس بالمضار الدنيوية من الفقر والآلام وسائر الشدائد، وبنعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور والتمكين من حصول ما تريدون، لنرى أتصبرون فى المحن، وتشكرون فى المنح؟ فيزداد ثوابكم عند ربكم إذا قمتم بأداء ذلك، والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر، فالمنحة أعظم البلاءين ومن ثم قال عمر رضى الله عنه: بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر،
وقال على كرم الله وجهه: من وسّع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله.
وخلاصة ذلك- إنا نعاملكم معاملة من يختبركم ونفتنكم كما يفتن الذهب إذا أريد تصفيته بالنار عما يخالطه من الغش، لنرى أتصبرون فى الشدائد وتشكرون حين الرخاء؟.