المحاجة: المجادلة والمغالبة فى إقامة الحجة، والحجة تطلق تارة على الدلالة المبينة للمقصد، وتارة على ما يدلى به أحد الخصمين فى إثبات دعواه أو رد دعوى خصمه، وهى بهذا الاعتبار تنقسم إلى حجة دامغة يثبت بها الحق، وإلى حجة داحضة يموّه بها الباطل، وقد اصطلحوا على تسمية مثل هذه شبهة، والسلطان: الحجة والبرهان، لم يلبسوا: لم يخلطوا، والظلم هنا هو الشرك فى العقيدة أو العبادة كاتخاذ ولى من دون الله يدعى معه أو من دونه.
[الإيضاح]
(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) أي وجادله قومه فى أمر التوحيد، فهو حين أبان لهم بطلان عبادة الأصنام وربوبية الكواكب، وأثبت لهم وحدانية الله تعالى ووجوب عبادته وحده، حاجوه ببيان أوهامهم فى شركهم، إذ قالوا إن اتخاذ الآلهة لا ينافى الإيمان بالله الفاطر للسموات والأرض، لأنهم شفعاء عنده، ولما لم يجد ذلك معه خوّفوه أن تمسه آلهتهم بسوء، وانتهت بهم خاتمة المطاف أن قالوا: إنهم ساروا على ما وجدوا عليه آباءهم، وليس للمقلد أن يحتج ولكنه يجادل ويحاج مع كونه لا يخضع للحجة إذا قامت عليه، وكثيرا ما يضطرب المقلد لسماع الحجة، إذ يومض فى قلبه نورها ثم يعود إلى سابق وهمه خائفا مما لا يخيف، راجيا ما لا يرجى، كما يشاهد لدى زائرى قبور الصالحين والأولياء الذين يتوهمون أن هذه القبور تدفع عن زائرها الضر وتكشف عنه السوء وتدرّ عليه الرزق وتكبت العدو، إما بتصرفهم فى الخلق وإما لأنهم قربان عند الرب ولا يرون شيئا من هذا ناقضا للإيمان الصحيح، وفى مثلهم يقول الله عز اسمه «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» .
(قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ؟) أي أتجادلونني فى شأن الله وما يجب فى الإيمان