(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي يا أيها الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله: ألا أدلكم على صفقة رابحة، وتجارة نافعة، تنالون بها الربح العظيم، والنجح الخالد الباقي.
وهذا أسلوب يفيد التشويق والاهتمام بما يأتى بعده، كما تقول: هل أدلك على عالم عظيم ذى خلق حسن، وعلم فياض؟ هو فلان، فيكون ذلك أروع فى الخطاب وأجلب لقبوله.
ثم بين هذه التجارة بقوله:
(تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) أي اثبتوا على إيمانكم، وأخلصوا لله العمل، وجاهدوا بالأنفس والأموال فى سبيل الله بنشر دينه وإعلاء كلمته.
والجهاد ضروب شتى: جهاد للعدو فى ميدان القتال لنصرة الدين، وجهاد للنفس بقهرها ومنعها عن شهواتها التي ترديها، وجهاد بين النفس والخلق بترك الطمع فى أموالهم والشفقة عليهم والرحمة بهم، وجهاد فيما بين المرء والدنيا بألا يتكالب على جمع حطامها، وألا ينفق المال إلا فيما تجيزه الشرائع، وتقره العقول السليمة.
(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي هذا الإيمان والجهاد خير لكم من كل شىء فى الدنيا من نفس ومال وولد، إن كنتم من أهل الإدراك والعلم بوجوه المنافع وفهم المقاصد، فإن الأمور إنما تتفاضل بغاياتها ونتائجها.
ولهذه التجارة فوائد عاجلة وأخرى آجلة، وقد فصل كلا الأمرين وقدم الثانية فقال: