(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) أي وتلك الحجة الدامغة التي تضمنها البيان السالف، المثبتة للحق، المزيّفة للباطل، هى الحجة التي أرشدنا إليها إبراهيم وأعطيناها إياه ليلزم قومه ويقنعهم بها.
(نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) أي إننا نرفع من شئنا من عبادنا درجات بعد أن لم يكونوا على درجة منها، فالعلم درجة كمال، والحكمة درجة كمال، وقوة العارضة فى الحجاج درجة كمال، والسيادة والحكم بالحق كذلك، والنبوة والرسالة أعلى كل هذه الدرجات، لأنها تشتمل عليها وتزيد.
والله يرفع درجات من يؤتيهم ذلك بتوفيق صاحب الدرجة الكسبية إلى ما به ترتقى درجته، ويصرف موانع هذا الارتقاء عنه، ويؤتى ذا الدرجة الوهبية (النبوة) ما لم يؤت غيره من أهل المناقب والآيات «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ» .
(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي إن ربك الذي رباك وعلمك وهداك وجعلك خاتم رسله لجميع خلقه، حكيم فى قوله، عليم بشئونهم، وسيريك ذلك عيانا فى سيرتك مع قومك كما أراكه بيانا فيما حدّث عن إبراهيم مع قومه وتأسّ فى نفسك وقومك المكذبين بأبيك واصبر على ما ينوبك منهم كما صبر.
واعلم أن معرفة الله تعالى لا تحصل على الوجه الصحيح إلا بتعميم الوحى، وعلم الأنبياء به ضرورى لا نظرى فقد علّمهم به ما لم يكونوا يعلمون من الحجج العقلية والدلائل النقلية إلى نحو ذلك مما هداهم إليه.