أعقبه بمثل يبين خطل آرائهم، وسخف عقولهم، فذكر أنهم كالغنم التي تقبل بدعاء راعيها، وتنزجر بزجره، مسخّرة لإرادته، ولا تفهم لماذا دعا، ولماذا زجر، وهكذا شأن من يسلّمون معتقدا بلا دليل ويقبلون تكليفا بلا فهم ولا تعليل، فهم كالصم لا يسمعون الحق سماع تدبر وفهم، وكالبكم الذين لا يستجيبون لما دعوا إليه، وكالعمى فى الإعراض عن الأدلة حتى كأنهم لم يشاهدوها، فهم لا يصلون إلى معرفة الحق، لأن اكتسابه إنما يكون بالنظر والاستدلال، وأنى لمن فقد هذه الحواس أن يصل إلى الحق ويقبله؟ ومن ثم قالوا: من فقد حسا فقد فقد علما.
[الإيضاح]
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) أي إن مثل الكافرين في تقليدهم لآبائهم ورؤسائهم، وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلال، وعدم تأملهم فيما يلقى إليهم من الأدلة، مثل البهائم التي ينعق عليها الراعي، ويسوقها إلى المرعى، ويدعوها إلى الماء، ويزجرها عن الحمى، فتستجيب دعوته وتنزجر بزجره، وهى لا تعقل مما يقول شيئا، ولا تفهم له معنى، وإنما تسمع أصواتا تقبل لسماع بعضها وتدبر لسماع بعض آخر بالتعود، ولا تعقل سببا للإقبال والإدبار.
وفي الآية إرشاد إلى أن التقليد بلا عقل ولا فهم من شأن الكافر، وأما المؤمن فمن شأنه أن يعقل دينه. ويعرفه بنفسه، ويقتنع بصحته، إذ ليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل المقصد منه أن يرتقى عقله وتتزكى نفسه بالعلم والعرفان، فهو يعمل الخير لأنه نافع يرضى الله، ويترك الشر لأنه يضره فى دينه ودنياه.
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أي إنهم يتصامّون عن سماع الحق، فكأنهم صم ولا يستجيبون لما يدعون إليه فكأنهم خرس، ولا ينظرون في آياته تعالى في الآفاق وفي أنفسهم فكأنهم عمى، لا يعقلون لعملهم مبدأ ولا غاية، بل ينقادون لغيرهم كما هو شأن الحيوان، ومن ثم اتبعوا من لا يعقلون ولا يهتدون.