(٣) إنهم يفضلونهم على أنفسهم ويعطونهم ما هم فى أشد الحاجة إليه، وما ذاك إلا لأن الله عصمهم من الشح المردي والبخل المهلك، الذي يدسى النفوس ويمنعها من اكتساب الخير وعمل البر.
ثم ذكر أن التابعين لهم بإحسان، وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، يدعون لأنفسهم ومن سبقهم من المؤمنين بالمغفرة، ويطلبون من الله ألا يجعل فى قلوبهم حقدا وحسدا لهم.
[الإيضاح]
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي إنه أراد بهؤلاء الأربعة السالفين فقراء المهاجرين الذين اضطرهم كفار مكة إلى الخروج من ديارهم وترك أموالهم طلبا لمرضاة ربهم ونيلا لثوابه ونصرة لله ورسوله، وإعلاء لشأن دينه.
(أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي هؤلاء هم الصادقون فى إيمانهم، إذ قد فعلوا ما يدل على الإخلاص فيه والرغبة الصادقة من نيل المغفرة والكرامة عند ربهم، فهم قد أخرجوا من ديارهم، وهى العزيزة على النفوس، المحببة إلى القلوب.
بلادي وإن جارت علىّ عزيزة ... وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام
وتركوا الأموال والمال شقيق الروح، وكثيرا ما يقتل المرء فى سبيل الذّود عنه، وانتزاعه من أيدى غاصبيه، وما فعلوا ذلك إلا لإعلاء منار الدين، ورفعة شأنه، وذيوع ذكره، فحقّ لهم من ربهم النعيم المقيم، وجزيل الثواب بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كفاء ما قاموا به من جليل الأعمال، وعظيم الخلال.
روى أن الرجل منهم كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ منهم الحفيرة فى الشتاء ماله دثار غيرها.