فالشاعر غير الكاهن وغير المجنون، وفرق عظيم بين من زال عقله، ومن يقول الشعر الحكيم الرصين، ومن يجعل قوله حجة فى معرفة أخبار الغيب، ويعتقد أن الجن توحى إليه بما يقول:
وقصارى هذا: إنهم لا أحلام لهم ولا عقول:
ثم ذكر السبب الحق فى كل ما يعملون فقال:
(أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أي بل الحق أن الذي حملهم على أن يقولوا ما قالوا، هو طغيانهم وعنادهم وضلالهم عن الحق.
(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي أيقولون كاهن أم يقولون شاعر أم يقولون إنه افترى القرآن واختلقه من تلقاء نفسه؟.
(بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) أي إن كفرهم هو الذي حملهم على هذه المطاعن وزين لهم أن أن يقولوا ما قالوا.
ثم رد عليهم جميع ما زعموا وتحداهم فى دحض ما قالوا فقال:
(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) أي إن كان شاعرا فلديكم الشعراء الفصحاء، أو كاهنا فلديكم الكهان الأذكياء، وإن كان قد تقوله فلديكم الخطباء الذين يحبّرون الخطب، ويجيدون القول فى كل فنون الكلام، فهلمّ فليأتوا بمثل هذا القرآن إن كانوا صادقين فيما يزعمون، فإن أسباب القول متوافرة لديهم كما هى متوافرة لديه، بل فيهم من طالت مزاولته للخطب والأشعار وكثرة الممارسة لأساليب النظم والنثر وحفظ أيام العرب ووقائعها أكثر من محمد صلّى الله عليه وسلم.