لا يزال الحديث مع أهل الكتاب، فإنه ذكر عنهم أوّلا أنهم يفرقون بين الله ورسله فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ثم انتقل إلى ذكر شىء من عنادهم وإعناتهم للنبى صلى الله عليه وسلم وطلبهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وبيّن أنه لا غرابة فى ذلك فقد شاغبوا موسى من قبله وسألوه ما هو أكبر من ذلك، ثم ذكر كفرهم بعيسى عليه السلام وبهتهم أمّه ومحاولتهم قتله وصلبه، وفى كل هذا دليل على تأصل العناد فيهم، ولولا ذلك لما شاغبوك، فإن الدليل على نبوتك أوضح مما يدّعون الإيمان بمثله ممن قبلك- وهنا ختم الكلام فى محاجتهم ببيان أن الوحى جنس واحد، ولو كان إيمانهم بالرسل السابقين صحيحا لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
[الإيضاح]
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) الوحى لغة: الإيماء والإشارة كما قال تعالى: «فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» والإلهام الذي يقع فى النفس كما قال: «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ» وما يكون غريزة دائمة كما قال: «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» والإعلام فى خفاء بأن تعلم إنسانا بأمر تخفيه على غيره كما قال: