بعد أن بين سبحانه فيما سلف من الآيات أن الناس في الصلاح والفساد فريقان:
فريق يسعى في الأرض بالفساد ويهلك الحرث والنسل، وفريق يبغى بعمله رضوان الله وطاعته- أرشدنا إلى أن شأن المؤمنين الاتفاق والاتحاد، لا التفريق والانقسام.
[الإيضاح]
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) كافة: أي في أحكامه كلها التي أساسها الاستسلام والخضوع لله والإخلاص له، ومن أصوله الوفاق والمسالمة بين الناس وترك الحروب بين المهتدين بهديه، والأمر بالدخول فيه أمر بالثبات والدوام كقوله تعالى:
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ» .
المعنى- يا أيها الذين آمنوا بالألسنة والقلوب، دوموا على الإسلام فيما تستأنفون من أيامكم، ولا تخرجوا عن شىء من شرائعه، بل خذوا الإسلام بجملته وتفهموا المراد منه، بأن تنظروا في كل مسألة إلى النصوص القولية والسنة المتبعة فيها وتعملوا بذلك، لا أن يأخذ كل واحد بكلمة أو سنة ويجعلها حجة على الآخر، وإن أدى إلى ترك ما يخالفها من النصوص والسنن، وبهذا يرتفع الشقاق والتنازع ويعتصم المسلمون بحبل الوحدة الإسلامية التي أمرنا الله باتباعها في قوله:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» ونهانا عن ضدها في قوله: «وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا» وقوله صلى الله عليه وسلم «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض» .
ولكنّ المسلمين قد خالفوا هذا فتفرّقوا وتنازعوا وشاقّ بعضهم بعضا، واتخذوا مذاهب متفرّقة، كل فريق يتعصب لمذهب ويعادى سائر إخوانه المسلمين زعما منه أنه ينصر الدين وهو يخذله بتفريق كلمة المسلمين، فهذا سنّى يقاتل شيعيا، وهذا شافعى يغرى التتار بالحنفية، وهؤلاء مقلّدة الخلف يحادّون من اتبع طريق السلف.
(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي ولا تتبعوا سبله في التفرق في الدين أو في الخلاف