وقد حكى المفسرون فى أسباب الخسف أمورا كثيرة هى غاية فى الغرابة يبعد أن نصدقها العقول، ومن ثم قال الرازي: إنها مضطربة متعارضة، فالأولى طرحها والاكتفاء بما دل عليه نص القرآن، وتفويض سائر التفاصيل إلى عالم الغيب اهـ.
ولما شاهد قوم قارون ما نزل به من العذاب، صار ذلك زاجرا لهم عن حب الدنيا ومخالفة موسى، وداعما إلى الرضا بقضاء الله وبما قسمه، وإلى إظهار الطاعة والانقياد لأنبيائه ورسله، كما أشار إلى ذلك بقوله:
(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أي فلما خسف الله بقارون الأرض أصبح قومه يقولون: إن كثرة المال والتمتع بزخارف الدنيا، لا تدل على رضا الله عن صاحبه فالله يعطى ويمنع ويوسع ويضيّق، ويرفع ويخفض، وله الحكمة التامة، والحجة البالغة، لا معقب لحكمه.
وقد روى عن ابن مسعود مرفوعا «إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطى المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطى الإيمان إلا من يحبّ» .
ولما لاح لهم من واقعة أمره أن الرزق بيد الله يصرّفه كيف يشاء، أتبعوه بما يدل على أنهم اعتقدوا أن الله قادر على كل ما يريد من رزق وغيره فقالوا:
(لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) أي لولا لطف الله بنا لخسف بنا كما خسف به، لأنا وددنا أن نكون مثله. ثم زادوا ما سبق توكيدا بقولهم:
(وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) لنعمه المكذبون برسله وبما وعدوا به من ثواب لآخرة، كما كان شأن قارون.