حقيقة الإيمان ولا ذاقوا حلاوته، ولا أشربت قلوبهم حبه، ولا عرفوا فضائله ومناقبه.
ثم أوعد بعدئذ المنافقين بالعذاب الأليم وذكر أنهم أنصار الكافرين على المؤمنين، فلا ينبغى للمؤمنين أن يتخذوا منهم أولياء، ولا أن يبتغوا عندهم جاها ولا منزلة.
[الإيضاح]
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) أي إن هؤلاء قد استبان من ذبذبتهم واضطراب أحوالهم من إيمان إلى كفر، ثم من كفر إلى إيمان وهكذا دواليك- أنهم قد فقدوا الاستعداد لفهم حقيقة الإيمان وفقه مزاياه وفضائله ومثلهم لا يرجى لهم- بحسب سنن الله فى خليقته- أن يهتدوا إلى الخير ولا أن يسترشدوا إلى نافع ولا أن يسلكوا سبيل الله، فجدير بهم أن يمنع الله عنهم رحمته ورضوانه، ومغفرته وإحسانه، لأن أرواحهم قد دنّست، وقلوبهم قد عميت، فلم تكن محلا للمغفرة ولا للرجاء فى ثواب.
والله أرحم الراحمين واسع المغفرة لم يكن ليحرم أحدا المغفرة والهداية بمحض الخلق والمشيئة، وإنما مشيئته مقترنة بحكمته، وقد جرت سنة الله وحكمته الأزلية بأن يكون كسب البشر لعلومهم وأعمالهم مؤثرا فى نفوسهم، فمن طال عليه أمد التقليد حجب عن عقله نور الدليل، ومن طال عليه عهد الفسوق والعصيان حرم من أسباب الغفران التي ذكرها سبحانه فى قوله «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» .
ولا شك أن المغفرة وهى محو أثر الذنب من النفس إنما تكون بتأثير التوبة والعمل الصالح الذي يزيل ما علق فى النفس من تلك الآثام كما قال تعالى «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» .
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) البشارة لا تستعمل غالبا إلا فى سارّ الأخبار، إذ هى مأخوذة من انبساط بشرة الوجه، فاستعمالها فى الأخبار السيئة يكون من باب