(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل صلوات الله عليهم موسى وهارون إلى فرعون مصر وأشراف قومه وخصهم بالذكر لأن قومهم القبط كانوا تبعا لهم يكفرون بكفرهم ويؤمنون بإيمانهم إن آمنوا ويرجعون إليهم فى إقامة المصالح والمهمات، مؤيدين له بآياتنا التسع المبينة فى سورة الأعراف، فأعرضوا عن الإيمان كبرا وعلوا مع علمهم بأن ما جاءا به هو الحق لما كانوا عليه من العلم بصناعة السحر ولكنهم كانوا راسخين فى الإجرام والظلم والفساد فى الأرض كما قال تعالى «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» .
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) أي فلما جاءهم موسى بالحجج والبينات الدالة على الربوبية والألوهية قالوا من فرط عتوّهم وعنادهم: إن هذا لسحر واضح لمن رآه وعاينه.
(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا؟ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) أي قال لهم موسى على وجه الإنكار والتوبيخ: أتقولون للحق الواضح الظاهر وهو أبعد الأشياء عن السحر الذي هو باطل حين جاءكم دون أن تتروّوا وتتدبروا فيه: إنه سحر وما ترونه بأعينكم من آيات الله وترجف له قلوبكم من عظمته لا يمكن أن يكون سحرا من جنس ما تعرفونه وتصنعونه بأيديكم، وقد مضت سنة الله بأن السحرة لا يفوزون فى الأمور الهامة كالدعوة لدين، والتأسيس لملك، وذلك ما تتهموننى به على ضعفى وقوتكم، فإن السحر شعوذة لا تلبث أن تفتضح وتزول.
وبعد أن أفحمهم بحجته ولم يجدوا ردّا مقنعا اضطروا إلى التشبث بذيل التقليد للآباء والأجداد، وتلك حجة العاجز المضعوف فى رأيه، ذى الخطل فى تصرفه، فلم يكن منهم إلا تلك المقالة.