لما ذكر سبحانه فى أول السورة الرسالة والتوحيد والبعث- عاد فى آخرها إلى ذكرها مرة أخرى، فقال:
[الإيضاح]
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) المرية: الشك، أي إنا آتينا موسى التوراة مثل ما آتيناك القرآن، وأنزلنا عليك الوحى مثل ما أنزلناه عليه، فلا تكن فى شك من لقائك الكتاب، فأنت لست ببدع من الرسل كما قال تعالى:
«قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ» .
وذكر موسى من بين سائر الرسل لقرب عهده من النبي صلى الله عليه وسلم ووجود من كان على دينه بينهم إلزاما لهم، ولم يذكر عيسى، لأن اليهود ما كانوا يعترفون بنبوته، والنصارى كانوا يقرون بنبوة موسى، فذكر المجمع عليه.
وقد يكون ذكره لأن الآية جاءت تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه لما أتى بكل آية وذكّرهم بها، وأعرض قومه عنها حزن حزنا شديدا، فقيل له: تذكّر حال موسى ولا تحزن، فإنه قد لقى مثل ما لقيت، وأوذى كما أوذيت، فإنّ من لم يؤمن به آذاه، كفرعون وقومه، ومن آمنوا به من بنى إسرائيل آذوه أيضا بالمخالفة له كقولهم:
«أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» وقولهم: «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا» ، وغيره من الأنبياء لم يؤذه إلا من لم يؤمن به.
(وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي وجعلنا الكتاب الذي آتيناه مرشدا لبنى إسرائيل إلى طريق الهدى كما جعلناك مرشدا لأمتك.