فرض الله علينا الصوم كما فرضه على من قبلنا، لأنه من أعظم الذرائع لتهذيب النفوس، وأقوى العبادات في كبح جماع الشهوات، ومن ثم كان مشروعا في جميع الملل حتى الوثنية، فهو معروف لدى قدماء المصريين، ومنهم انتقل إلى اليونان والرومان، ولا يزال الهنود الوثنيون يصومون إلى الآن، وفي التوراة مدحه ومدح الصائمين، وليس فيها ما يدل على أنه فرض، وثبت أن موسى صام أربعين يوما كما أنه ليس في الإنجيل نص على الفريضة، بل فيها مدحه وعدّه عبادة، وأشهر صيام النصارى وأقدمه الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح، وهو الذي صامه موسى وكان يصومه عيسى والحواريون، وقد وضع رؤساء الكنيسة ضروبا أخرى من الصيام تختلف فيها المذاهب والطوائف.
[الإيضاح]
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي فرض عليكم الصيام كما فرض على المؤمنين من أهل الملل قبلكم من لدن آدم عليه السلام.
وفي هذا تأكيد له وترغيب فيه، وتطييب لأنفس المخاطبين فإنه عبادة شاقة، والأمور الشاقة إذا عمّت كثيرا من الناس سهل تحملها ورغب كل أحد في عملها.
ثم بين فائدة الصوم وحكمته فقال:
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي إنه فرضه عليكم ليعدّكم لتقوى الله بترك الشهوات المباحة الميسورة امتثالا لأمره واحتسابا للأجر عنده، فتتربي بذلك العزيمة والإرادة على ضبط النفس وترك الشهوات المحرّمة والصبر عنها،
وقد جاء في الحديث:«الصيام نصف الصبر»
وبهذا نعلم أنه ما كتب علينا الصوم إلا لمنفعتنا، لا كما يعتقد الوثنيون من أن القصد منه تسكين غضب الآلهة إذا عملوا ما يغضبهم، أو استمالتهم في بعض