الشئون والأغراض، لأن الآلهة لا ترضى إلا بتعذيب النفس وإماتة حظوظ الجسد، وشاع هذا الاعتقاد بين أهل الكتاب فجاء الإسلام ومحاكل هذا.
وإعداد الصوم لتقوى الله يظهر من وجوه كثيرة أعظمها شأنا:
(١) أنه يعوّد الإنسان الخشية من ربه في السرّ والعلن، إذ أن الصائم لا رقيب عليه إلا ربه، فإذا ترك الشهوات التي تعرّض له من أكل نفيس، وشراب عذب، وفاكهة يانعة، وزوجة جميلة، امتثالا لأمر ربه، وخضوعا لإرشاد دينه مدة الصيام شهرا كاملا، ولولا ذلك لما صبر عليها وهو في أشدّ الشوق إليها، لا جرم أنه بتكراره ذلك يتعوّد الحياء من ربه، والمراقبة له في أمره ونهيه، وفي ذلك تكميل له وضبط للنفس عن شهواتها، وشدة مراقبتها لبارئها.
ومن كملت لديه هذه الخلّة لا يقدم على غشّ الناس ومخادعتهم، ولا على أكل أموالهم بالباطل، ولا على هدم ركن من أركان الدين كالزكاة، ولا على اقتراف المنكرات، واجتراح السيئات، وإذا ألمّ بشىء منها يكون سريع التذكر قريب الرجوع بالتوبة الصحيحة كما قال تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» .
ولما للصوم من جليل الأثر في تهذيب النفس
جاء في الحديث:«من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»
أي من صغائر ذنوبه وكبائرها إذا تاب منها قبل الصوم،
وجاء في الحديث القدسي:«كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى، وأنا أجزى به» .
(٢) أنه يكسر حدّة الشهوة، ويجعل النفس مصرّفة لشهواتها بحسب الشرع، كما
جاء في الحديث:«يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»
والوجاء: رضّ الأنثيين، وهو كالخصاء مضعف للشهوة الزوجية