أخرج ابن أبى حاتم أن هذه الآيات نزلت فى النضر بن الحارث وكان جدلا يقول:
الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا يقدر الله على إحياء من بلى وصار ترابا.
[الإيضاح]
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي ومن الناس من يتعاطى الجدل فيما يجوز على الله من الصفات والأفعال، وما لا يجوز عليه، غير متبع فى ذلك حجة ولا برهانا بل يجهل بحقيقة ما يقول، فيزعم أن الله غير قادر على إحياء من بلى وصار ترابا، وأن لله ولدا، وأن القرآن ما هو إلا أسطورة من أساطير الأولين إلى نحو ذلك من الترّهات والأباطيل.
وقد ذم المجادلة بغير علم فأومأ إلى أن الجدل إذا كان مع العلم والحجة والبرهان فلا يدم ولا يقبح، وعليه جاء قوله تعالى:«وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» .
(وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) المريد المتجرد للفساد، العاري عن الخير، من قولهم شجرة مرداء إذا كان لا ورق لها، ورملة مرداء إذا لم تنبت شيئا، أي ومن الناس من يتّبع فى كل ما يأتى وما يذر من شئونه وأهوائه، شياطين من شياطين الإنس والجن الذين يزينون له طرق الغواية، ويسلكون به الطرق التي تزلق به فى المهاوى، ويقودونه إلى الأعمال التي تصل به إلى النار، من شرك بالله وعبادة للأوثان والأصنام، وشرب للخمر، ولعب للميسر، إلى نحو أولئك مما يحسّنون له عمله، ويكونون له فيه القادة الذين لا يردّ لهم قول، ولا يقبح منهم فعل.
ثم وصف سبحانه ذلك الشيطان بقوله:
(كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) أي قدر سبحانه أن من اتبع ذلك الشيطان، وسلك سبيله، أضله فى الدنيا، بما يوسوس له، ويدسّى