أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى؟) أي أو لم يتفكر هؤلاء المكذبون بالبعث من قومك فى خلق الله لهم ولم يكونوا شيئا، ثم تصريفهم أحوالا وتارات حتى صاروا كاملى الخلق كاملى العقل فيعلموا أن الذي فعل ذلك قادر أن يعيدهم بعد فنائهم خلقا جديدا، ثم يجازى المحسن منهم بإحسانه، والمسيء منهم بإساءته، لا يظلم أحدا منهم فيعاقبه بدون حرم صدر منه، ولا يحرم أحدا منهم جزاء عمله، لأنه العدل الذي لا يجور، فهو ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالعدل، وإقامة الحق إلى أجل مؤقت مسمى، فإذا حل الأجل أفنى ذلك كله، وبدل الأرض غير الأرض، وبرزوا للحساب جميعا.
ثم ذكر أن كثيرا من الناس غفلوا عن الآخرة وما فيها من حساب وجزاء فقال:
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) لأنهم لم يتفكروا فى أنفسهم، ولو تفكروا فيها ودرسوا عجائبها لأيقنوا بلقاء ربهم، وأن معادهم إليه بعد فنائهم.
ثم نبههم لى صدق رسله فيما جاءوا به عنه، بما أيدهم به من المعجزات والدلائل الواضحة، من إهلاك من جحد نبوتهم، ونجاة من صدقهم فقال:
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها، وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي أو لم يسر هؤلاء المكذبون بالله، الغافلون عن الآخرة، فى البلاد التي يسلكونها تجرا، فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الأمم المكذبة، كيف كان عاقبة أمرهم فى تكذيبهم رسلهم، وقد كانوا أشد منهم قوة، وحرثوا الأرض وعمروها أكثر مما عمر هؤلاء ثم أهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم رسله، وما كان الله بظالم لهم، بعقابه إياهم على تكذيبهم رسله وجحودهم آياته، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بمعصيتهم ربهم.