(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) فإنه لما نظر فى صحيفة أعماله، وتذكر قبيح أفعاله، خجل منها وتمنى أن لو كان عذب فى النار ولم يخجل هذا الخجل.
وفى هذا إيماء إلى أن العذاب الروحاني أشد ألما من العذاب الجسماني.
(وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ؟) أي ولم أعلم أىّ شىء حسابى الذي أحاسب به، إذ كله وبال ونكال.
(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) أي ليت الموتة التي متها فى الدنيا كانت نهاية الحياة، لم أبعث بعدها ولم ألق ما أنا فيه من نكال وسوء منقلب.
قال قتادة: تمنّى الموت ولم يكن فى الدنيا عنده شىء أكره من الموت اهـ، وشر من الموت ما يطيب له الموت، قال شاعرهم:
وشرّ من الموت الذي إن لقيته ... تمنيت منه الموت والموت أعظم
(ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) أي لم يدفع عنى مالى الذي كنت أملكه فى الدنيا من عذاب الله ولا من بأسه شيئا.
(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) أي ذهب ملكى وتسلطى على الناس، وبقيت فقيرا ذليلا، ومراده التحسر والندم، إذ كان ينازع المحقين بسبب الملك والسلطان، فالآن ذهب ذلك وبقي الوبال.
ثم ذكر سبحانه سوء منقلبه فقال:
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي فيقال لزبانية جهنم: خذوه فضعوا الغلّ فى عنقه، ثم أدخلوه فى النار الموقدة لقاء كفره بالله واجتراحه عظيم الآثام.
(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) أي ثم أدخلوه فى سلسلة طولها سبعون ذراعا تلفّ على جميع جسمه حتى لا يستطيع تحركا ولا انفلاتا.