بعد أن تكلم أوّلا فى التوحيد، ثم فى الرد على عبدة الأوثان- أردف ذلك الرد على الطاعنين فى نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقد قسموا مطاعنهم قسمين:
مطاعن فى القرآن، ومطاعن فيمن نزل عليه القرآن.
روى أن هذه الآيات نزلت فى النضر بن الحرث إذ هو الذي قال هذه المقالة، وعنى بالقوم الآخرين عدّاسا مولى حويطب بن عبد العزّى، ويسارا مولى العلاء بن الحضرمي، وأبا فكيهة الرومي، وكانوا من أهل الكتاب يقرءون التوراة ويحدّثون أحاديث منها، فأسلموا، وكان النبي يتعهدهم ويختلف إليهم، فمن ثم قال النضر ما قال.
[الإيضاح]
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) أي وقال الكافرون: إن هذا القرآن ليس من عند الله، بل اختلقه محمد، وأعانه على ذلك جماعة من أهل الكتاب ممن أسلموا، وكان يتعهدهم ويختلف إليهم:«تقدم ذكر أسمائهم» فيلقون إليه أخبار الأمم الغابرة، وهو يصوغها بلغته وأسلوبه الخاص.
فرد الله عليهم مقالهم فقال:
(فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) أي فقد وضعوا الأشياء فى غير مواضعها، وكذبوا على ربهم، إذ جعلوا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- إفكا مفترى من قبل البشر، وكيف يتقوّلون ذلك على الرسول وقد تحداهم أن يأتوا بمثله، وهم ذوو اللسن والفصاحة والغاية فى البلاغة، فعجزوا أن يأتوا بمثله، ولو كان ذلك فى مكنتهم ما ادّخروا وسعا فى معارضته، وقد ركبوا الصعب والذلول ليدحضوا حجته، ويبطلوا دعوته، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولو كان محمد صلّى الله عليه وسلّم قد استعان فى ذلك بغيره لأمكنهم أيضا أن يستعينوا هم بغيرهم، فما مثله فى اللغة إلا مثلهم فلما