(وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي ولم يكن الله ليهلكهم بغير جرم اجترموه، لأن ذلك ليس من سننه تعالى، وهو لا يوافق منهج الحكمة، فلا يصدر عن الحكيم، ولكنه أهلكهم بذنوبهم، وكفرهم بربهم، وجحودهم نعمه عليهم، وتقلبهم فى آلائه، وعبادتهم غيره، ومعصيتهم من أنعم عليهم.
بعد أن أسلف- سبحانه- أنه أهلك من أشرك به بعاجل العقاب، وسيعذبه بشديد العذاب، ولا ينفعه فى الدارين معبوده، ولا يجديه ركوعه وسجوده- أردف هذا تمثيل حال من اتخذ معبودا دون الله بحال العنكبوت، وقد اتخذت لها بيتا لا يريحها إذا هى أوت، ولا يجيرها من حر أو برد إذا هى ثوت، ثم زاد الإنكار توكيدا فذكر أن ما يدعونه ليس بشىء، فكيف يتسنى للعاقل أن يترك القادر الحكيم، ويشتغل بعبادة من ليس بشىء؟ ثم أردف هذا ببيان فائدة ضرب الأمثال للناس، وأنه لا يدرك مغزاها إلا ذوو الألباب، الذين يفهمون خبىء الكلام وظاهره، وسره