(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا) أي إن الذين يخفون ما أنزل الله من وحيه على رسله، أو يؤولونه ويحرفونه ويضعونه في غير موضعه برأيهم واجتهادهم، فى مقابل الثمن القليل من حطام الدنيا كالرشوة على ذلك أو الجعل (الأجر) على الفتاوى الباطلة أو نحو ذلك مما يستفيده الرؤساء من المرءوسين، وسمى قليلا لأن كل عوض عن الحق فهو قليل في جنب ما يفوت آخذه من سعادة الحق الدائمة بدوام المحافظة عليه، والمبطل وإن تمتع بثمن الباطل فذاك إلى أمد الحياة القصير كما قال:«فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ» .
(أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) أي إن أولئك الكاتمين لكتاب الله المتّجرين به، ما يأكلون في بطونهم من ثمنه إلا ما يكون سببا لدخول النار، وانتهاء مطامعهم بعذابها، وقد يكون المعنى: إنه لا تملأ بطونهم إلا النار أي لا يشبع جشعهم إلا النار التي يصيرون إليها على نحو ما
جاء في الحديث «ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب»
وهذا الحكم عامّ يصدق على المسلمين كما يصدق على غيرهم، فسنة الله مطردة في تأييد أنصار الحق وخذلان أهل الباطل.
(وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي إن الله يعرض عنهم ويغضب عليهم، وقد جرت عادة الملوك إذا غضبوا أعرضوا عن المغضوب عليهم ولم يكلموهم، كما أنهم حين الرضا يلاطفون من يرضون عنه، ويقابلونه بالبشاشة والبشر.
(وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي ولا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة والصفح عنهم إذا ماتوا وهم مصرّون على كفرهم.
(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي ولهم عذاب شديد الألم موجع.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي إن أولئك الذين جزاؤهم ما تقدم، هم الذين تركوا الهدى الواضح البين الذي لا خلاف فيه، وهو ما جاء به الرسل