عن ربهم، واتبعوا آراء الناس في الدين وهى لا ضابط لها، وهى مشتبه الأعلام يضلّ بها الفهم، ومن ثم كان أهلها في خلاف وشقاق.
(وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) أي إن متبع الضلال استحق العذاب بدل المغفرة، وهو باختياره إياه بعد قيام الحجة قد اشترى العذاب بالمغفرة، وكان هو الجاني على نفسه حين اغترّ بالعاجل واستهان بالآجل.
(فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي إنّ انهماكهم في العمل الذي يوصلهم إلى النار المبين فى الآيتين السالفتين هو مثار العجب، فسيرهم في الطريق التي يجرهم إليها، وعدم مبالاتهم بمآل أعمالهم، دليل على أنهم يطيقون الصبر عليها، وتلك حال تستحق العجب أشد العجب، وأعجب من ذلك أن يرضاها عاقل لنفسه ومثل هذا الأسلوب ما يقال لمن يتعرض لما يوجب غضب ملك من الملوك:
ما أصبرك على القيد والسجن! أي إنه لا يتعرض لمثل هذا إلا من هو شديد الصبر على العذاب.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) أي ذلك العذاب الذي تقرّر لهم بسبب أن الكتاب جاء بالحق، والحق لا يغالب، فمن غالبه غلب.
(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي وإن الذين اختلفوا فى الكتاب الذي نزله الله لجمع الكلمة على اتباع الحق وإزالة الاختلاف، لفى شقاق بعيد عن سبيل الحق، فلا يهتدون إليه، إذ كل منهم يخالف الآخر بما ابتدعه من رأى ومذهب، وينأى بجانبه عن الآخر، فيكون الشقاق بينهما بعيدا.
وهذا وعيد آخر بعد الوعيد الأول على كتمان الحق، فالمختلفون لا يسلكون سبيلا واحدة كما يدعو إلى ذلك القرآن «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» فلا يجوز أهل الكتاب الإلهى أن يكونوا شيعا ومذاهب شتى كما قال: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ» .