وفي هذه الآيات دلالة على شرف الإنسان على غيره من المخلوقات، وعلى فضل العلم على العبادة، فإن الملائكة أكثر عبادة من آدم ولم يكونوا أهلا لاستحقاق الخلافة، وعلى أن شرط الخلافة العلم بل هو العمدة فيها، وعلى أن آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه أعلم منهم، والأفضل هو الأعلم بدليل قوله تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) .
وفي استخلاف آدم في الأرض معنى سام من الحكمة الإلهية خفى على الملائكة، فإنه لو استخلفهم فيها لما عرفوا أسرار هذا الكون وما أودع فيه من الخواص، فإنهم ليسوا بحاجة إلى شىء مما في الأرض، إذ هم على حال يخالف حال الإنسان، فما كانت الأرض لتزرع بمختلف الزروع، ولا تستخرج المعادن من باطنها، ولا تعرف خواصها الكيمائية والطبيعية، ولا تعرف الأجرام الفلكية ولا المستحدثات الطبية، ولا شىء من العلوم التي تفنى السنون ولا يدرك الإنسان لها غاية.
بعد أن أعلم الله تعالى الملائكة مكانة آدم وأنه جعله خليفة في الأرض، أمرهم بالسجود له سجود خضوع لا سجود عبادة اعترافا بفضله، واعتذارا عما قالوه في شأنه، من قولهم:«أتجعل فيها من يفسد فيها» .
[الإيضاح]
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) السجود لغة الخضوع والانقياد، ومن أعظم مظاهره وضع الجبهة على التراب، وكان تحية للملوك عند بعض القدماء كما ورد من سجود يعقوب وأولاده ليوسف.