(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) أي فضحك متعجبا من حذرها وتحذيرها والهداية التي غرسها الله فيها، مسرورا بما خصه الله من فهم مقاصدها، وقال رب ألهمنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علىّ وعلى والدىّ، وأن أعمل عملا تحبه وترضاه، وتوفنى مسلما وألحقنى بالصالحين من عبادك.
وخلاصة ذلك- كأنه قال: العلم غاية مطلبى وقد حصلت عليه، ولم يبق بعد ذلك إلا أن أطلب التوفيق للشكر عليه بالعمل الصالح الذي ترضاه، وأن أدخل فى عداد الصالحين من آبائي الأنبياء وغيرهم.
[تذكرة وعبرة بالآية]
قد دلّ بحث الباحثين فى معيشة النمل على مالها من عجائب فى معيشتها وتدبير شئونها، فإنها لتتخذ القرى فى باطن الأرض، وتبنى بيوتها أروقة ودهاليز وغرفات ذوات طبقات، وتملؤها حبوبا وقوتا للشتاء، وتخفى ذلك فى بيوت من مساكنها منعطفات إلى فوق، حذرا من ماء المطر.
وفى هذه الآية تنبيه إلى هذا لإيقاظ العقول إلى ما أعطيته من الدقة وحسن النظم والسياسة، فإن نداءها لمن تحت أمرها وجمعها لهم ليشير إلى كيفية سياستها، وحكمتها وتذبيرها لأمورها، وأنها تفعل ما يفعل الملوك، وتدبّر وتسوس كما يسوس الحكام.
ولم يذكره الكتاب الكريم إلا ليكون أمثالا تضرب للعقلاء، فيفهموا حال هذه الكائنات، وكيف أن النمل أجمعت أمرها على الفرار خوفا من الهلاك كما تجتمع على طلب المنافع، وإن أمة لا تصل فى تدبيرها إلى مثل ما يفعل هذا الحيوان الأعجم تكون أمة حمقاء تائهة فى أودية الضلال، وهى أدنى حالا من الحشرات والديدان: