اعلم أن بين العبد وربه عهدين: عهد الربوبية والإحسان، وعهد العبودية والطاعة، وبعد أن وفى له سبحانه بالعهد الأول وبيّن له ما يحل وما يحرم من لذات الحياة فى الطعام والنكاح، طلب إليهم الوفاء بالعهد الثاني، وهو عهد الطاعة، وأعظم الطاعات بعد الإيمان الصلاة، والصلاة لا يمكن إقامتها إلا بالطهارة، لا جرم بدأ الله بذكر فرائض الوضوء.
وبعد أن بين لنا طائفة من الأحكام المتعلقة بالعادات والعبادات ذكرنا بعهده وميثاقه علينا وما التزمناه من السمع والطاعة له ولرسوله بقبول دينه الحق لنقوم به مخلصين.
[الإيضاح]
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة على حد قوله تعالى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» أي إذا أردت قراءته، وجمهور المسلمين على أن الطهارة لا تجب على من قام إلى الصلاة إلا إذا كان محدثا.
أي إذا قمتم إلى الصلاة محدثين فاغسلوا إلخ. وهذا التقييد مستفاد من السنة العملية فى الصدر الأول،
فقد روى أحمد ومسلم وأصحاب السنن من حديث بريدة قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفّيه، وصلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال: عمدا فعلته يا عمر»