بعد أن بيّن سبحانه أنه أخذ الميثاق على اليهود والنصارى، كما أخذه على هذه الأمة وأنهم نقضوا العهد والميثاق، وتركوا ما أمروا به، وأنهم أضاعوا حظا عظيما مما أوحاه إليهم ولم يقيموا ما حفظوا منه- دعاهم عقب ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي جاء به.
وهذا البيان من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم، وهو من معجزات القرآن الكثيرة المنبثة فى تضاعيفه.
[الإيضاح]
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) قال ابن عباس: أخفوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأخفوا أمر الرجم، وعفا عن كثير مما أخفوه، فلم يفضحهم ببيانه اه.
أي يا أهل الكتاب إنا أرسلنا إليكم محمدا رسول الله وخاتم النبيين يبيّن لكم كثيرا من الأحكام التي كنتم تخفونها، وقد أنزلها الله عليكم كحكم رجم الزاني وهو مما حفظتموه من أحكام التوراة كما هو ثابت فى سفر التثنية، لكنكم لم تلتزموا العمل به وأنكره عالمكم ابن صوريا أمام النبي صلى الله عليه وسلم فأقسم عليه وناشده الله فاعترف به، وكذلك أخفى اليهود والنصارى صفات النبي صلى الله عليه وسلم والبشارات به وحرفوها بالحمل على معان أخرى، إلى ما أضاعوه من كتبهم ونسوه كنسيان اليهود ما جاء فى التوراة من أخبار الحساب والجزاء فى الآخرة، وأظهره الرسول لهم، وكانت الحجة عليهم فيه أقوى، إذ هم يعلمون أنه نبىّ أمي لم يطلع على شىء من كتبهم، ومن ثم آمن به من آمن من علمائهم المنصفين، واعترفوا بعد إيمانهم بما بقي عندهم من البشارات وصفات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا البيان من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزات القرآن التي لا ينبغى أن يمترى أحد فيها، ومع هذا فقد كان يعفو عن كثير مما كانوا