وخلاصة ذلك- كأنه قيل فليثبتوا على ضلالهم وليطبع الله على قلوبهم فلا يؤمنوا، وما علىّ منهم، هم أهل لذلك وأحق به، وما مثله إلا مثل قول الأب المشفق على ولده الذي انحرف عن جادّة الاستقامة ولم يقبل منه نصيحة: فلتمض فى غوايتك ولتعث فى الأرض فسادا، وهو لا يريد غوايته بل حردا وغضبا عليه.
وقد روى أن موسى دعا بهذا الدعاء وهرون عليه السلام كان يؤمّن على دعاء أخيه، ومن ثم قال تعالى:
(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي قال لهما عز اسمه قد قبلت دعوتكما فى فرعون وملئه وأموالهم، فامضيا لأمرى واثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة إلى الحق، ومن إعداد شعبكما للكفاح والجلاد والخروج من مصر، ولا تسلكا سبيل الذين لا يعلمون سنتى فى خلقى، فيستعجلا الأمر قبل ميقاته، ويستبطئا وقوعه فى حينه.
وفى سفر الخروج من التوراة ما بدل على استجابة دعاء موسى، فقد كانت تنزل النوازل على مصر وأهلها، فيلجأ فرعون إلى موسى حين كل نازلة منها ليدعوا ربه فيكشفها عنهم فيؤمنوا به، حتى إذا كشفها قسّى الرب قلب فرعون فأصر على كفره، وما قاله المفسرون فى تفسير الطمس على الأموال فهو من ترّهات الأباطيل الإسرائيلية التي روّجها كعب الأحبار وأمثاله ممن كان مقصدهم صدّ اليهود عن الإسلام بما يرونه فى تفسيره مخالفا لما هو متفق عليه عندهم وعند غيرهم من المؤرخين فى وقائع عملية وأمور حسية.