موسى موجودا لكان له محل، ومحله إما الأرض وإما السماء، ولم نره في الأرض، فإذا هو في السماء، والسماء لا يتوصل إليها إلا بسلم، فيجب أن نبنى الصرح لنصل إليه.
ثم بين السبب الذي دعاه إلى ما صنع فقال:
(وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) أي وهكذا زين الشيطان لفرعون هذا العمل السيّء، فانهمك في غيّه، واستمر في طغيانه، ولم يرعو بحال، وصدّ عن سبيل الرشاد بأمثال هذه التمويهات والشبهات، وما كان ذلك إلا لسوء استعداده وتدسيته نفسه والسير بها قدما في شهواتها دون أن يكون لها وازع يصدها عن غيها، ويثوب بها إلى رشدها.
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ثم ذكر عاقبة مكره وتدليسه وأنه ذاهب سدى وأن الله ناصر أولياءه، ومهلك أعداءه و «مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» وإلى هذا أشار بقوله:
(وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) أي وما احتياله الذي يحتال به ليطّلع على إله موسى إلا في خسار وذهاب مال، لأنها نفقة تذهب باطلا سدى دون أن يصل إلى شىء مما أراده من القضاء على دعوة موسى، فالنصر في العاقبة له «وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» .