وإلى اختيار الطرق النافعة في إنفاقه باستعمال عقولنا، وتوجيه إرادتنا إلى العمل بخير ما نعرفه منها.
وكأنّ هذه الآية جاءت احتراسا مما عسى أن يقع في الأذهان من الكلام السابق، إذ ربما فهم من المبالغة في الترغيب في الإنفاق في سبيل الله، والتشديد في تحريم الربا، أن جمع المال وحفظه مذموم على الإطلاق كما يظهر من نصوص بعض الأديان السابقة وكأنه يقول: إنا لا نأمركم بإضاعة المال ولا بترك تثميره، وإنما نأمركم أن تكسبوه من الطريق الحلال، وتنفقوا منه في وجوه البر والخير، يرشد إلى هذا أن الله نهانا عن إيتاء المال للسفهاء خوفا من ضياعه بقوله:«وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً»
أي تقوم بها مصالحكم ومعايشكم.
روى أحمد والطبراني حديث عمرو بن العاص «نعمّا المال الصالح للمرء الصالح» وإنما يذم المال إذا استعبد صاحبه، فبخل في إنفاقه، واشتط في جمعه من الحلال والحرام،
روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم» .
[الإيضاح]
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) طلب الله إلى المؤمنين حفظا لديونهم التي تشمل القرض والسلم [ما فيه المبيع مؤجل والثمن عاجل] ويسميه العامة (الغاروقة) وبيع الأعيان إلى أجل معين- أن يكتبوها حتى إذا حل الأجل سهل عليهم أن يطلبوها ويقاضوا المدين للحصول عليها.
وقد تبين الله تعالى كيفية الكتابة، ومن يتولاها فقال:
(وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) أي وليكن الكاتب الذي يكتب لكم الديون عادلا يساوى بين المتعاملين، لا يميل إلى أحدهما فيزيده على حقه، ولا يميل عن الآخر فيبخسه من حقه.