(وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ) بعد أن شرط الله في الكاتب العدالة شرط فيه العلم بالأحكام والفقه في كتابة الدين، إذ الكتابة لا تكون ضمانا تاما إلا إذا كان الكاتب عالما بالأحكام الشرعية والشروط المرعية عرفا وقانونا، وكان عادلا حسن السيرة، لا غرض له إلا بيان الحق بلا محاباة.
وقدم صفة العدالة على صفة العلم، لأن العادل يسهل عليه أن يتعلم ما ينبغى أن يعلمه لكتابة الوثائق، ولكن من كان عالما غير عادل فالعلم بهذا وحده لا يهديه للعدالة، وقلما رأينا فسادا من عدل ناقص العلم، ولكن أكثر الفساد من العلماء الذين فقدوا ملكة العدالة.
وفي ذكر هذه الشروط في الكاتب إرشاد من الله للمسلمين أن يكون فيهم هذا الصّنف من الكتاب القادرين على كتابة العقود الرسمية، كما أن في ذكرها إيماء إلى أنه ينبغى أن يكون الكاتب غير المتعاقدين وإن كانا يحسنان الكتابة خيفة أن يغالط أحدهما الآخر أو يغشّه.
وفي التعبير بقوله (ولا يأب) رمز إلى أن العالم بما فيه مصلحة الناس، إذا دعى إلى القيام بعمل وجب عليه أن يلبّى الدعوة، ومن ثم أمره الله بذلك أمرا صريحا فقال:
(فليكتب) وهذا الأمر بعد النهى عن الإباء كالتأكيد، لأن الموضوع هامّ لتعلقه بحفظ الحقوق، ولا سيما لدى الأميين الذين خوطبوا به أولا.
(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) أي وليلق على الكاتب ما يكتبه المدين ليكون إملاله حجة عليه تحفظها الكتابة.
(وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) أي وليتق الذي عليه الحق الله في الإملال، بأن يذكر ما عليه كاملا، وفي هذا مبالغة في الحث على التقوى بالتذكير بجلائل النعم والترهيب من العقاب.
ثم نهاه أن يبخس من الحق شيئا تأكيدا لهذا فقال:
(وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) إذ الإنسان مجبول على دفع الضرر عنه، وعرضة