خوفه من فرعون، لأنه إنما خرج من ديار مصر- فرارا منه وهربا من سطوته، فيرسل معه أخاه هرون وزيرا فأجابه إلى ما طلب، وأرسله هو وهرون إلى فرعون وملئه ومعهما المعجزات الباهرة، والأدلة الساطعة، فلما عاينوا ذلك وأيقنوا صدقه لجئوا إلى العناد والمكابرة فقالوا ما هذا إلا سحر مفتعل، وما رأينا أحدا من آبائنا على هذا الدين، فقال لهم موسى: ربى أعلم بالمهتدي منا ومنكم، وسيفصل بينى وبينكم، ويجعل النصر والتأييد للصالحين من عباده.
[الإيضاح]
(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) أي قال يا رب إنى قتلت من قوم فرعون نفسا، فأخاف إن أتيتهم ولم أبن عن نفسى بحجة أن يقتلونى، لأن ما فى لسانى من عقدة يحول بينى وبين ما أريد من الكلام، وأخى هرون هو أفصح منى لسانا، وأحسن بيانا، فأرسله معى عونا يلخّص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات، ويجادل هؤلاء الجاحدين المعاندين، وإنى أخاف أن يكذبونى ولسانى لا يطاوعنى حين المحاجة.
فأجابه سبحانه إلى ما طلب.
(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) أي سنقويك ونعينك بأخيك، ونجعل لكما تسلطا عظيما وغلبة على عدوكما، فلا يصلون إليكما بوسيلة من وسائل الغلب.
(بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) أي أنتما ومن تبعكما الغالبون بحججنا وسلطاننا الذي يجعله لكما.
وفى هذا دليل على أن فرعون لم يصل إلى السحرة بشىء مما هددهم به، لأنهم من أكبر الأتباع الباذلين أنفسهم فى سبيل الله.