الذين يحادون الله تعالى بالشرك به، ويحادون الرسول بالصدّ عن دعوته، ويقاتلون المؤمنين أنصار الله ورسوله- من المنافقين الذين يطلعون أولئك الولائج على أسرار الملة ويقفونهم على سياسة الأمة كما يفعل المنافقون فى كل زمان.
ونحو الآية قوله:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» .
وقد عبر سبحانه عن عدم ظهور هؤلاء المجاهدين وتميزهم من المنافقين وضعفاء الإيمان- بعدم علمه بهم، لأن عدم علمه بالشيء دليل على عدم وجوده.
ولا يظهر هؤلاء الممتازون إلا بالابتلاء بالشدائد كما جاء فى قوله:«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ» .
(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) الآن وبعد ذلك وقبله، محيط بكل شىء علما، وقد مضت سنته تعالى بأن التكليف الذي يشق على الأنفس هو الذي يمحصّ ما فى القلوب ويطهّر السرائر بقدر ما فيها من حسن الاستعداد، ويبرز السرائر الخبيثة ويظهر سوء استعدادها.
وخلاصة المعنى- أظننتم أن تتركوا قبل أن يتم التمحيص والتمييز بين الصادقين فى جهادهم والكاذبين فاسدى السريرة ومتّخذى الوليجة، وهو لم يعلم الصادقين فى الجهاد لأنهم لم يتميزوا من غيرهم بالفعل، وما لا يعلم الله وجوده فلا وجود له، إذ لا يخفى عليه شىء من أمركم، وهو الخبير بكل ما تعملون.