فترضى باستذلال الغاصب كما رضيت من قبل بما اجترحت من الآثام والذنوب وقد يكون ذلك سبيلا لا نقراضها بما يعقبه الفسق والفجور من قلة النسل، ولا سيما إذا فشا الزنا والسكر، أو تبقى فيها بقية تدّغم فى الكثرة الغالبة، فلا تعد أمة على سبيل الاستقلال، وربما توالت عليها المصايب والآثام حتى تضيق بها ذرعا فتطلب لها مخرجا وترجع إلى الوراء لتبحث عن أسبابها فلا تجدها إلا فى أنفسها كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى:«وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» .
وإذا أرادت لها علاجا وتمنت لها دواء من دائها الدوىّ وتلفتت يمنة ويسرة سرا وعلانية لم تجده إلا ما وصفه الكتاب الكريم:«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» ولن يكون ذلك إلا بالإقلاع عما ترتكب من الجرائم والتوبة الصادقة والعمل الطيب الذي به تصلح القلوب وتستقيم الأمور، وهاكم ما قاله العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حين توسل به عمر والصحابة بتقديمه لصلاة الاستسقاء لما انقطع الغيث وعم الجدب: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة.
وفى هذا عبرة أيّما عبرة للشعوب الإسلامية التي ثلّت عروشها، وخوت صروح عظمتها، وقد كانت أجدر بهدى القرآن، ولكن أنى لها بذلك، وقد هجره الخاصة وتبعهم العامة، إذ جهلوا أحكامه وحكمه، حتى لقد بلغ الأمر بنابتتها، ألا ترى سببا لركود ريحها إلا اتباع القرآن والعمل بهذا الدين «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» .