بعد أن وعد الله المؤمنين بالثواب العظيم وكانوا فى الدنيا فى غاية الفقر والشدة، والكفار كانوا فى رخاء ولين عيش ذكر فى هذه الآية ما يسليهم ويصبّرهم على تلك الشدة، فبين لهم حقارة ما أوتى هؤلاء من حظوظ الدنيا وذكر أنها متاع قليل زائل، فلا ينبغى للعاقل أن يوازن بينه وبين النعيم الخالد المقيم.
[الإيضاح]
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) أي لا يغرنك يا محمد والمراد أمته، فكثيرا ما يخاطب سيّد القوم بشىء ويراد أتباعه، وهذا معنى ما روى عن قتادة أنه قال: والله ما غرّوا نبىّ الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله.
وخلاصة المعنى- لا يغرنكم أمنهم على أنفسهم وتصرفهم فى البلاد كيف شاءوا، وأنتم معاشر المؤمنين خائفون محصورون، فإن ذلك لا يبقى إلا مدة قليلة ثم ينتقلون إلى أشد العذاب، فعلى المؤمن أن يجعل مرمى طرفه ذلك الثواب الذي وعده الله فهو النعيم الحقيقي الباقي.
(مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي ذلك التقلب فى البلاد الذي يتمتعون به متاع قليل، عاقبته هذا المأوى الذي ينتهون إليه فى الآخرة فيكونون خالدين فيه أبدا، بما جنته أنفسهم وكسبته أيديهم.
نزلت الآية فى مشركى مكة إذ كانوا يضربون فى الأرض، يتّجرون ويكتسبون حين لا يستطيع المسلمون ذلك لوقوف المشركين لهم بالمرصاد والإيقاع بهم أينما ثقفوهم، وعجز هؤلاء عن مقاومتهم إذا خرجوا من ديارهم للتجارة أو غيرها.
وقد روى من وجه آخر أن بعض المؤمنين قال: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت الآية.
وبعد أن بين حال الكافرين ومآل أمرهم، ذكر عاقبة المؤمنين ليعلموا أنهم فى القسمة غير مغبونين، فقال: