ينزل عليهم كتابا من السماء يثبت دعواه، ويكون شاهدا له، فكأنه تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: إنهم مع وضوح نبوتك لا يشهدون بما أنزل إليك، لكن الله يشهد به.
ثم أكد هذه الشهادة فقال:
(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي فإنه أنزله بعلمه الخاص الذي لم تكن تعلمه أنت ولا قومك بتأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وبما فيه من العلوم الإلهية والأدبية والسياسية والاجتماعية، ومن علوم الأنبياء والرسل والأمم، وبما له من السلطان على الأرواح بهدايته، وبما فيه من أنباء الغيب عن الماضي والحاضر والمستقبل وهو بهذه المزايا مثبت لشهادة الله به وأنه وحي من عنده.
والخلاصة- كأن الله تعالى يقول لنبيه إن جحود هؤلاء اليهود وعدم شهادتهم لك لا يضرك بشىء، فالله يشهد بما أنزل إليك من الوحى وأنت على يقين منه، وقد أيد الله شهادته لك بما أودعه فيه مما عجز عنه البشر فكان بذلك مثبتا لكونه أنزل عليك من لدنه، كما أيده بتصديق ما أنزله فيه من الوعد بالفلاح والنصر لمن اتبعك والوعيد لمن عاداك بالخذلان والخسران.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أي والملائكة يشهدون بذلك أيضا، لأن الذي نزل به إليك هو الروح الأمين، وهو منهم كما يؤيدك بجند منهم يثبّتونك ويثبّتون المؤمنين فى القتال كما فى غزوة بدر، قال تعالى:«إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» .
(وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) على ما شهد به لك، حيث نصب الدليل، وأوضح السبيل، فشهادته أصدق، وقوله الحق «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ: اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ» .