(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) هذا الخطاب إما لليهود وهو المروي عن مجاهد والسدى، وإما لمشركى مكة.
فعلى الأول يكون المعنى- فإن كذبك اليهود وثقل عليهم أن يكون بعض شرعهم عقابا لهم على ما كان من بغيهم على الناس وظلمهم لهم ولأنفسهم، واحتجوا على إنكار كونه عقوبة بكون الشرع رحمة من الله- فأجبهم بما يدحض هذه الشبهة بأن رحمة الله واسعة حقا ولكن ذلك لا يقتضى أن يرد بأسه ويمنع عقابه عن القوم المجرمين، فإصابة الناس بالمحق والشدائد عقابا لهم على جرائم ارتكبوها، قد تكون رحمة بهم، وقد تكون عبرة وموعظة لغيرهم لينتهوا عن مثلها، وهذا العقاب من سنن الله المطردة فى الأمم وإن لم يطرد فى الأفراد.
وعلى الثاني يكون المعنى- فإن كذبك المشركون فيما فصلناه من أحكام التحليل والتحريم فقل لهم: ربكم ذو رحمة واسعة ولا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم، فلا تغترّوا به فإنه إمهال لكم لا إهمال لمجازاتكم.
وفى هذا تهديد لهم ووعيد إذا هم أصروا على كفرهم وافترائهم على الله بتحريم ما حرموا على أنفسهم، كما أن فيه إطماعا لهم فى رحمته الواسعة إذا رجعوا عن إجرامهم وآمنوا بما جاء به الرسول، فيسعدون فى الدنيا بحل الطيبات، وفى الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنات.