(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أي وعلى الذين هادوا دون غيرهم من أتباع الرسل حرمنا كل ذى ظفر أي ما ليس منفرج الأصابع كالإبل والنعام والإوزّ والبط كما قاله ابن عباس وابن جبير وقتاده ومجاهد.
(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) أي إنه حرم عليهم لحم كل ذى ظفر وشحمه وكل شىء منه، وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرم منهما إلا الشحوم الخالصة وهى الثروب (واحدها ثرب، وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش) وشحوم الكلى.
والخلاصة- ومن البقر والغنم دون غيرهما مما أحل لهم من حيوان البر والبحر حرمنا عليهم شحومهما الزائدة التي تنتزع بسهولة لعدم اختلاطها بلحم ولا عظم، ولم نحرم عليهم ما حملت الظهور أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، والسبب فى تخصيص البقر والغنم بهذا الحكم أن القرابين عندهم لا تكون إلا منهما، وكان يتخذ من شحمهما الوقود للرب كما ذكر ذلك فى الفصل الثالث من سفر اللاويين فقد جاء فيه بعد التفصيل فى قرابين السلامة من البقر والغنم (كلّ الشحم للرب فريضة فى أجيالكم فى جميع مساكنهم، لا تأكلوا شيئا من الشحم ولا الدم.
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) أي إنما حرم الله ذلك عليهم عقوبة بغيهم فشدد عليهم بذلك، وليس ذلك بالخبيث لذاته.
ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود من الأنباء التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا قومه يعلمون منها شيئا لأميتهم، وكان مظنة تكذيب المشركين له، لأنهم لا يؤمنون بالوحى ومظنة تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عقوبة ببغيهم وظلمهم، أكده فقال:
(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي وإنا لصادقون فى هذه الأخبار عن التحريم وعلته، لأن أخبارنا صادرة عن العلم المحيط بكل شىء، ولأن الكذب محال علينا، لأنه نقص فلا يصدر عنا.