حتى كأنه أبصر النجم نهارا، والتضرع: المبالغة فى الضراعة، وهى الذل والخضوع، والمراد، له هنا ما كان صادرا عن الإخلاص الذي يثيره الإيمان الفطري الطوىّ فى أنفس البشر، والخفية (بالضم والكسر) الخفاء والاستتار، والدعاء قد يكون بالجهر ورفع الصوت مع البكاء، وقد يكون بالإسرار هربا من الرياء، فتارة يجأر المرء بالدعاء رافعا صوته متضرعا مبتهلا، وأخرى يسر الدعاء ويخفيه مخلصا محتسبا، ويتحرى ألا تسمعه أذن ولا يعلم به أحد، ويرى أنه يكون بذلك أجدر بالقبول، وأرجى لنيل المسئول، والكرب: الفم الشديد.
[المعنى الجملي]
بعد أن أبان سبحانه لعباده إحاطة علمه، وشمول قدرته، واستعلاءه عليهم بالقهر، وحفظه أعمالهم عليهم- ذكّرهم هنا بالدلائل الدالة على كمال القدرة الإلهية ونهاية الرحمة والفضل والإحسان.
[الإيضاح]
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً؟) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الغافلين عن أنفسهم وعما أودع فى الآفاق من آيات التوحيد من ينجيكم من ظلمات البر إذا ضللتم فيه فتحيرتم وأظلمت عليكم المحجة، ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه فأظلم عليكم فيه السبيل فلم تهتدوا- غير الله الذي إليه مفزعكم بالدعاء تضرعا منكم إليه، معلنين الدعاء تارة ومخفين له أخرى.
(لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي مقسمين: لئن أنجيتنا من هذه الظلمات التي نحن فيها لنكونن من المتصفين بالشكر، المخلصين لك بالعبادة دون من نشركه معك فى عبادتك.
وفى معنى الآية قوله: «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ