(٥) إنه ذكر فى السورة التي قبلها محاربة ملكين عظيمين لأجل الدنيا، وذكر هنا قصة عبد مملوك زهد فيها، وأوصى ابنه بالصبر والمسألة، وذلك يقتضى ترك المحاربة، وبين الأمرين التقابل وشاسع البون كما لا يخفى
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) أي هذه آيات الكتاب الحكيم بيانا وتفصيلا.
(هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي هذه آيات الكتاب الهادي من الزيغ، الشافي من الضلال، لمن أحسنوا العمل، وانبعوا الشريعة، فأقاموا الصلاة على الوجه الأكمل، الذي رسمه الدين فى أوقاتها، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى مستحقيها، وأيقنوا بالجزاء فى الدار الآخرة، ورغبو إلى الله فى ثواب ذلك لم يراءوا به، ولا أرادوا به جزاء ولا شكورا.
ولما كان المتصفون بهذه الخلال هم الغاية فى الهداية والفلاح قال:
(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي إن هؤلاء الذين ذكرت أوصافهم على نور من ربهم، وأولئك الذين رجوا ما أمّلوا من ثوابه يوم القيامة، وقد تقدم مزيد إيضاح لهذا أول سورة البقرة.