(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي كيف ينكرون الخالق الموجد؟، فهل هم خلقوا هذا الخلق البديع الصنع من غير خالق ولا موجد؟ والعقل يشهد بأن كل ما يوجد من العدم لا بد له من موجد.
(أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) أي بل أهم أوجدوا أنفسهم؟ والضرورة والعقل يكذبان ذلك، إذ يلزم من هذا أن الشيء يكون مقدما فى الوجود على نفسه، فهم باعتبار أنهم خالقون مقدّمون على أنفسهم فى الوجود باعتبار أنهم مخلوقون، وهذا بيّن البطلان.
(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي لو فرض أنهم خلقوا أنفسهم، فهل هم يجرءون ويقولون إنهم خلقوا هذه الأجرام العظيمة التي تتوقف عليها حياتهم، وفيها أسباب معاشهم وهى السموات والأرض؟ - أظن أنهم لا يدّعون ذلك.
(بَلْ لا يُوقِنُونَ) أي ليس واحد مما تقدم يمكن أن يدّعوه، بل حقيقة أمرهم أنهم لا يوقنون بما يقولون إذا سئلوا: من خلقكم وخلق السموات والأرض؟ فقالوا الله، إذ لو أيقنوا بذلك ما أعرضوا عن عبادته.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) أي بل أهم يتصرفون فى الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن؟
فيعطوا النبوة لمن يشاءون، ويصطفوا لها من يختارون.
(أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) أي أم هم الأرباب الغالبون حتى يدبروا أمر العالم ويبنوا الأمور على إرادتهم ومشيئتهم، والمراد أنه ليس الأمر كذلك، بل الله هو المالك المتصرف الفعال لما يريد.
روى البخاري عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:«سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ فى المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ» كاد قلبى يطير، وكان جبير بن مطعم