بعد أن ذكر الهداية والإرشاد بالقرآن الكريم- قفّى على ذلك بالاستدلال بالآيات والدلائل التي فى الآفاق، وهى برهان نير لا ريب فيه، وطريق بيّن لا يضلّ من ينتحيه.
[الإيضاح]
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) أي وجعلنا الليل والنهار دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا، أما فى الدين فلأن كلا منهما مضادّ للآخر ومخالف له، مع تعاقبهما على الدوام، وهذا من أقوى الأدلة على أنه لا بد لهما من فاعل مدبر يقدّرهما بمقادير مخصوصة، وأما فى الدنيا فلأن مصالحه لا تتم إلا بهما، فلولا الليل لما حصل السكون والراحة، ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرف فى وجوه المعاش.
(فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) أي فمحونا آية هى الليل أي جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلمة لا يستبين فيه شىء، كما لا يستبين ما فى اللوح الممحوّ، روى ذلك عن مجاهد.
(وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أي وجعلنا الآية التي هى النهار مضيئة ومبصرة أي يبصر أهلها فيها.
(لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) أي فعلنا ذلك، لتطلبوا لأنفسكم فيه رزقا من ربكم، إذ لا يتسنى ذلك فى الليل، وفى التعبير عن الرزق بالفضل، وعن الكسب بالابتغاء، مع ذكر صفة الربوبية الدالة على الوصول إلى ذلك شيئا فشيئا- دلالة على أنه ليس للمرء فى تحصيل الرزق سوى الطلب بالأسباب العادية،
وفى الخبر «يطلبك رزقك، كما يطلبك أجلك»
وقيل:
ولقد علمت وما الإشراف من خلقى ... أن الذي هو رزقى سوف يأتينى
أسعى إليه فيعيينى تطلّبه ... ولو قعدت أتانى لا يعنّينى